فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس رضي الله عنه. أن هوازن جاءت يوم حنين بالنساء والصبيان والإِبل والغنم، فجعلوهم صفوفًا ليكثروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتقى المسلمون والمشركون، فولى المسلمون مدبرين كما قال الله عز وجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله، ثم قال: يا معشر الأنصار أنا عبد الله ورسوله، فهزم الله المشركين ولم يضرب بسيف ولم يطعن برمح».
وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وأحمد ومسلم والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وما معه إلا أنا وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب، فلزمنا رسول الله فلم نفارقه وهو على بغلته الشهباء التي أهداها له فروة بن معاوية الجذامي، فلما التقى المسلمون والمشركون ولي المسلمون مدبرين وطفق النبي صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار، وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أن لا تسرع وهو لا يألو ما أسرع نحو المشركين، وأبو سفيان بن الحرث آخذ بغرز رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عباس نادي أصحاب السمرة يا أصحاب البقرة، فوالله لكأني عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقرة على أولادها ينادون يا لبيك يا لبيك، فأقبل المسلمون فاقتتلوا هم والكفار، وارتفعت الأصوات وهم يقولون: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار. ثم قصرت الدعوة على بني الحرث بن الخزرج، فتطاول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته فقال: هذا حين حمي الوطيس، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: انهزموا ورب الكعبة. فذهبت أنظر فإذا القتال على هينته فيما أرى، فما هو إلا أن رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصيات، فما زلت أرى حدهم كليلًا وأمرهم مدبرًا حتى هزمهم الله عز وجل.
وأخرج الحاكم وصححه عن جابر رضي الله عنه قال: ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين الأنصار فقال: يا معشر الأنصار. فأجابوه لبيك- بأبينا أنت وأمنا- يا رسول الله. قال: «أقبلوا بوجوهكم إلى الله ورسوله يدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار. فأقبلوا ولهم حنين حتى أحدقوا به كبكبة تحاك مناكبهم يقاتلون حتى هزم الله المشركين».
وأخرج أبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال: لما اجتمع يوم حنين أهل مكة وأهل المدينة أعجبتهم كثرتهم، فقال القوم: اليوم والله نقاتل، فلما التقوا واشتد القتال ولوا مدبرين، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار، فقال: «يا معشر المسلمين إلي عباد الله، أنا رسول الله. فقالوا: إليك- والله- جئنا، فنكسوا رءوسهم ثم قاتلوا حتى فتح الله عليهم».
وأخرج الحاكم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وبرة من بعير، ثم قال: أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم، فأدوا الخيط والمخيط وإياكم والغلول فإنه عار على أهله يوم القيامة، وعليكم بالجهاد في سبيل الله فإنه باب من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الأنفال، ويقول: ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيتنا يوم حنين وإن الفئتين لموليتان، وعن عكرمة قال: لما كان يوم حنين ولى المسلمون وولى المشركون، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أنا محمد رسول الله ثلاث مرات- وإلى جنبه عمه العباس- فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه: يا عباس أذن يا أهل الشجرة، فأجابوه من كل مكان لبيك لبيك حتى أظلوه برماحهم، ثم مضى فوهب الله له الظفر، فأنزل الله: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم} الآية».
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن عبيد الله بن عمير الليثي رضي الله عنه قال كان مع النبي صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف من الأنصار، وألف من جهينة، وألف من مزينة، وألف من أسلم، وألف من غفار، وألف من أشجع، وألف من المهاجرين وغيرهم، فكان معه عشرة آلاف. وخرج بإثني عشر ألفًا، وفيها قال الله تعالى في كتابه: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئًا}.
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن مردويه عن البراء بن عازب رضي الله عنه. أنه قيل له: هل كنتم وليتم يوم حنين؟ قال: والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسرًا ليس عليهم سلاح، فلقوا جمعًا رماة هوازن وبني النضر ما يكاد يسقط لهم سهم، فرشقوهم رشقًا ما كادوا يخطئون، فأقبلوا هنالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته البيضاء وابن عمه أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب يقود به، فنزل ودعا واستنصر ثم قال:
أنا النبي لا كذب ** أنا ابن عبد المطلب

ثم صف أصحابه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {وأنزل جنودًا لم تروها وعذب الذين كفروا} قال: قتلهم بالسيف.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: في يوم حنين أمد الله رسوله صلى الله عليه وسلم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين، ويومئذ سمى الله تعالى الأنصار مؤمنين قال: {ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين}.
وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: رأيت قبل هزيمة القوم- والناس يقتتلون- مثل البجاد الأسود أقبل من السماء حتى سقط بين القوم، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي، لم أشك أنها الملائكة عليهم السلام، ولم يكن إلا هزيمة القوم...!.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {وعذب الذين كفروا} قال: بالهزيمة.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن أبزى رضي الله عنه في قوله: {وعذب الذين كفروا} قال: بالهزيمة والقتل. وفي قوله: {ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء} قال: على الذين انهزموا عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين.
وأخرج ابن سعد والبخاري في التاريخ والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عبد الله بن عياض بن الحرث عن أبيه. قال: إن رسول صلى الله عليه وسلم أتى هوازن في إثني عشر ألفًا، فقتل من الطائف يوم حنين مثل قتلى يوم بدر، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفا من حصباء فرمى بها وجوهنا فانهزمنا.
وأخرج أحمد ومسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينًا، فلما واجهنا العدو وتقدمت فأعلو ثنية، فاستقبلني رجل من العدو فأرميته بسهم فتوارى عني فما دريت ما صنع، فنظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى، فالتقوا هم وأصحاب والنبي صلى الله عليه وسلم وأنا متزر وأرجع منهزمًا وعليَّ بردتان متزرًا بأحدهما مرتديًا بالأخرى، فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعًا ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزمًا وهو على بغلته الشهباء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد رأى ابن الأكوع فزعًا»، فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض، ثم استقبل به وجوههم فقال: شاهت الوجوه. فما خلق الله منهم إنسانًا إلا ملأ عينيه ترابًا بتلك القبضة، فولوا مدبرين، فهزمهم الله تعالى، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين.
وأخرج البخاري في التاريخ والبيهقي في الدلائل عن عمرو بن سفيان الثقفي رضي الله عنه قال قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قبضة من الحصى فرمى بها في وجوهنا فانهزمنا، فما خيل إلينا إلا أن كل حجر أو شجر فارس يطلبنا.
وأخرج البخاري في التاريخ وابن مردويه والبيهقي عن يزيد بن عامر السوائي- وكان شهد حنينًا مع المشركين ثم أسلم- قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قبضة من الأرض فرمى بها في وجوه المشركين وقال: ارجعوا شاهت الوجوه، فما أحد يلقاه أخوه إلا وهو يشكو قذى في عينيه ويمسح عينيه.
وأخرج مسدد في مسنده والبيهقي وابن عساكر عن عبد الرحمن مولى أم برثن قال: حدثني رجل كان من المشركين يوم حنين قال: لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقوموا لنا حلب شاة إلا كفيناهم، فبينا نحن نسوقهم في أدبارهم إذ التقينا إلى صاحب البغلة البيضاء فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلقينا عنده رجال بيض حسان الوجوه قالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا. فرجعنا وركبوا أكتافنا وكانت إياها.
وأخرج البيهقي من طريق ابن إسحق، حدثنا أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، أنه حدث أن مالك بن عوف رضي الله عنه بعث عيونًا فأتوه وقد تقطعت أوصالهم فقال: ويلكم ما شأنكم؟ فقالوا: أتانا رجال بيض على خيل بلق، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي وابن عساكر عن مصعب بن شيبة بن عثمان الحجبي عن أبيه قال خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، والله ما خرجت إسلامًا ولكن خرجت إتقاء أن تظهر هوازن على قريش، فوالله إني لواقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قلت: يا نبي الله إني لأرى خيرًا بلقًا...! قال: يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر. فضرب بيده عند صدري حتى ما أجد من خلق الله تعالى أحب إليَّ منه قال: فالتقى المسلمون فقتل من قتل، ثم أقبل النبي وعمر رضي الله عنه آخذ باللجام، والعباس آخذ بالغرز، فنادى العباس رضي الله عنه: أين المهاجرون، أين أصحاب سورة البقرة؟- بصوت عال- هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأقبل الناس والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:
أنا النبي غير كذب ** أنا ابن عبد المطلب

فأقبل المسلمون فاصطكّوا بالسيوف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الآن حمي الوطيس». اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27)}
ردهم من الجهل إلى حقائق العلم، ثم نَقَلَهم من تلك المنازل إلى مشاهد اليقين، ثم رقَّاهم عن تلك الجملة بما لقَّاهم به من عين الجمع. اهـ.

.تفسير الآية رقم (28):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تقدم في الأمر والنواهي وبيان الحكم المرغبة والمرهبة ما لم يبق لمن عنده أدنى تمسك بالدين شيئًا من الالتفات إلى المفسدين، بين أن العلة في مدافعتهم وشديد مقاطعتهم أنهم نجس وأن المواضع- التي ظهرت فيها أنوار عظمته وجلالته وأشرقت عليها شموس نبوته ورسالته، ولمعت فيها بروق كبره وجالت صوارم نهية وأمره- مواضع القدس ومواطن الأنس، من دنا إليها من غير أهلها احترق بنارها، وبهرت بصره أشعة أنوارها، فقال مستخلصًا مما تقدم ومستنتجًا: {يا أيها الذين آمنوا} أي أقروا بألسنتهم بالإيمان وهم ممن يستقبح الكذب {إنما المشركون} أي العريقون في الشرك بدليل استمرارهم عليه.
ولما كانوا متصفين به، وكانوا لا يغتسلون- ولا يغسلون- ثيابهم من النجاسة، بولغ في وصفهم بها بأن جعلوا عينها فقال: {نجس} أي وأنتم تدعون أنكم أبعد الناس عن النجس حسًا ومعنى، فيجب أن يقذروا وأن يبعدوا ويحذروا كما يفعل بالشيء النجس لما اشتملوا عليه من خلال الشر واتصفوا به من خصال السوء، وأما أبدانهم فاتفق الفقهاء على طهارتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من أوانيهم ولم ينه عن مؤاكلتهم ولا أمر بالغسل منها ولو كانت نجسة ما طهرها الإسلام.
ولما تسبب عن ذلك إبعادهم، قال: {فلا يقربوا} أي المشركون، وهذا نهي للمسلمين عن تمكينهم من ذلك، عبر عنه بنهيهم مبالغة فيه {المسجد الحرام} أي الذي أخرجوكم منه وأنتم أطهر الناس، واستغرق الزمان فأسقط الجار ونبههم على حسن الزمان واتساع الخير فيه بالتعبير بالعام فقال: {بعد عامهم} وحقق الأمر وأزال اللبس بقوله: {هذا} وهو آخر سنة تسع سنة الوفود مرجعه صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، فعبر بقربانه لا بإتيانه بعد التقديم إليهم بأن لا يقبل من مشرك إلا الإسلام أو القتل إشارة إلى إخراج المشركين من جزيرة العرب وانها لا يجتمع بها دينان لأنها كلها محل النبوة العربية وموطن الأسرار الإلهية، فمن كان فيها- ولو في أقصاها- فقد قارب جميع ما فيها، وتكون حينئذ بالنسبة إلى الحرم كأفنية الدور ورحاب المساجد؛ وفي الصحيح عن أبي هريرة- رضى الله عنهم- أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أبا بكر- رضى الله عنهم- أميرًا على الحج بعد رجوعه من تبوك ثم أردفه بعلي- رضى الله عنهم- فأمره أن يؤذن ببراءة، قال أبو هريرة: فأذن معنا عليّ يوم النحر في أهل منى ببراءة وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.